![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEikdjhM0nT5-Y4iUCNIH8tDnAbki0EUEijsrWiWURcTppCskGayR5_zUVVEgn-osA__wYdA2HhUIl6NlWTHFkGV5-ZgWsZV75DYZth0mVa88fIo9t7IBworLzRbXNK-iOBkKWGhuKRXV9A/s1600/1979739_719460948075562_1642486476_n.jpg)
أ . د . نعمة رحيم العزاوي
تعاني الكتابة في العلوم الحديثة نقصا في المصطلحات العربية، ولذا يفضل كثير من المشتغلين بهذه العلوم المصطلح الاجنبي، او الكتابة بغير العربية، اما الذين يكتبون في علم اللغة الحديث، فيعانون مشكلتين حادتين هما:
(1) كثرة المصطلحات في العلوم التي تدرس مستويات اللغة المعروفة، أي الصوت والصرف والنحو والدلالة، وان بعض هذه المصطلحات لا تتوافر فيها شروط المصطلح، ما يخلق حالة من التصادم والتعارض بين هذه المصطلحات ومستعمليها.
(2) تشابك المصطلح التراثي الذي وصل الينا عن علماء اللغة القدماء والمصطلح الجديد، واشتداد الصراع بين انصار القديم الذين
ومن هنا يتضح لنا ان الكتابة في العلوم الحديثة تشكو بطء عملية تعريب المصطلح، ويشكو اللغويون المحدثون فوضى المصطلح اللغوي، وعدم توحده، ومعنى ذلك ان المصطلح اللغوي الحديث قد فقد اهم خصيصة من خصائص الاصطلاح وهي خصيصة الاتفاق او الاجماع، التي بسببها سمي المصطلح مصطلحا، لأنه مأخوذ من قولهم: اصطلحوا على كذا، اي اتفقوا عليه.
فبدلا من ان يكون المصطلح اللغوي الحديث عامل توحيد وتجميع، اصبح عامل تفريق وتشتيت، حتى لتجد ان اللغويين في البلد العربي الواحد متعارضون في استعمال بعض المصطلحات وغير مجمعين على التعبير عن حقيقة لغوية معينة بلفظ واحد.
صحيح انه في الستينيات من القرن الماضي، نشأ علم اللغة الحديث، ولكن هذا العلم لم يتفق حتى على تسميته، فضلا عن عدم الاتفاق على منظومة المصطلحات التي تساعد على نضجه واكتماله ووقوفه علما مستقلا بين العلوم.
لقد صرّح عبدالسلام المسدي بأن اول مظهر من مظاهر اكتمال العلوم واستقلالها هو فرزها لمنظومة اصطلاحية، غير ان علم اللغة الحديث لا يزال بعيدا من هذه الغاية، وآية ذلك ان التأليف المعجمي في مصطلحات هذا العلم لم يبرح في طور التكوين، اذا ما قورن بما صدر من معجمات وموسوعات في علم اللغة الحديث بغير اللغة العربية. فالجمعية الصوتية اليابانية مثلا اصدرت عام 1981 معجما ضمّ اثنين وعشرين الف مصطلح.
فالمصطلح اللغوي العربي الحديث يعاني اذن العجز والقصور في ملاحقة حقائق علم اللغة، والتعبير عنها بمصطلحات عربية ويعاني الفوضى وعدم التوحد، والاختلاط بالمصطلح اللغوي القديم.
وقبل الحديث عن هذه الناحية، وسبل معالجتها، اود الاشارة الى ان تسمية علم اللغة الحديث نفسها لا تزال موضع خلاف، اذ تتنازع هذا العلم تسميات خمس، سأقتصر منها على (علم اللغة) و(الألسنية) و(اللسانيات). ولكن الجدير بالذكر ان علم اللغة هو الذي كتب له الشيوع، في اكثر البلاد العربية، اما (الألسنية) فقد راج في لبنان، في حين ان (اللسانيات) كتبت له السيادة في المغرب العربي، ودليل ذلك ان (ندوة اللسانيات واللغة العربية) التي عقدت في تونس عام 1978 اصدرت توصية باستخدام مصطلح (اللسانيات) اسما لهذا العلم، بدلا من (الالسنية).
ويعد احمد مختار عمر من المتحمسين لمصطلح (الالسنية)، وقد قدم لذلك عددا من المسوغات، منها ان مصطلح (علم اللغة) قد مر بمراحل قديمة وحديثة، وتعاورته مناهج متفاوتة قديمة وحديثة، فصار يحتاج الى وصف توضيحي، يحدد معالمه، او منهجه، كأن يقال: (علم اللغة الحديث) او (علم اللغة العام). ومنها ان هذا المصطلح قد يختلط بمصطلح اخر هو (فقه اللغة)، مع ان الفارق بينهما كبير، ولاسيما اذا اخذنا بالحسبان ان (فقه اللغة) هو ترجمة مخطئة للمصطلح الغربي (فيلولوجي).
ومن المسوغات للأخذ بالالسنية، ان كلمة (لسان) عند العرب تعني (اللغة)، وأن القرآن الكريم اوردها ثماني مرات، ولم يستعمل كلمة (لغة) التي هي يونانية الاصل، وأن العرب كانوا يطلقونها على ما يعرف اليوم بـ (اللهجة)، كأن يقال: لغة هذيل، ولغة طيّئ، ولغة تميم وغيرها.
كما ان العلماء العرب استعملوا مصطلح (علوم اللسان العربي) ومنهم الفارابي وابن خلدون، بل ان اوائل اللغويين المحدثين استعملوا (الالسنية)، فقد الف الاب مرمرجي الدومنيكي عام 1937 كتابا عنوانه (المعجمية العربية في ضوء الثنائية والالسنية السامية).
ومن المسوغات التي قدمها احمد مختار عمر للأخذ بالالسنية، ان المجمع اللغوي المصري اجاز النسب الى الجمع، كقولهم (اصولي) و(اخباري) و(فرائضي)، ولذا صح القول (ألسنيّ). ثم ان الاخذ بمصطلح (اللسانيات) سيجعل النسب الى هذه اللفظة غير مستساغ، فليس مقبولا القول (لسانياتي) و(دراسات لسانياتية)، ولذا يعاد الى المفرد فيقال: لساني ودراسات لسانية، وفي هذا خروج عن المصطلح، وصعوبة في التصرف فيه، في حين ان (الالسنية) قابلة للتصرف، اذ يقال: دراسة ألسنية، وعالم ألسنيّ.
واللافت للنظر ان احمد مختار عمر مع حماسته (للألسنية) نجده في كتبه يعدل عنها، ويؤثر عليها (علم اللغة الحديث)، ومن ذلك كتابه (محاضرات في علم اللغة الحديث)، ما يدل على فوضى المصطلح، وعدم توحّد اللغوي مع نفسه، فضلا عن توحدّه مع غيره.
ان اغلب الظن ان وراء ترويج (الالسنية) و(اللسانيات) رغبة بعض علماء اللغة العرب في العصر الحديث، في اضفاء صفة الحداثة على تفكيرهم اللغوي، والاشارة الى تنصلهم من الفكر اللغوي العربي القديم، واستمساكهم بالمقولات اللغوية الغربية.
واما واقع المصطلح في علم اللغة الحديث، فيقتضي عند تناوله البدء بالاشارة السريعة الى مصادر هذا المصطلح، وهي تنحصر في ضربين من المؤلفات: احدهما كتب علماء اللغة المعاصرين الذين يأخذون بالمفاهيم الغربية التي وضعت لها في لغات الاوربيين والاميركيين مصطلحات خاصة، حاول علماء اللغة العرب ان يضعوا ازاءها مصطلحات عربية. والاخر ما الف من معجمات لهذه المصطلحات، ومعظمها تنطلق من المصطلح الاجنبي، وتضع له مقابلا عربيا. ولعل اهم هذه المعجمات هي (معجم علوم اللغة) لعبد الرسول شاني، ونشرته مجلة اللسان العربي عام 1977، المجلد الخامس عشر الجزء الثاني، و(معجم علم اللغة النظري) لمحمد علي الخولي الذي صدر عام 1982، و(معجم مصطلحات علم اللغة الحديث) الذي اصدرته نخبة من اللغويين العرب عام 1983، و(قاموس اللسانيات) لعبد السلام المسدي صدر عام 1984، و(معجم علم اللغة التطبيقي) لمحمد علي الخولي ايضا صدر عام 1986، و(معجم المصطلحات اللغوية) لرمزي بعلبكي صدر عام 1990. ويزاد على هذين المصدرين ما صدر عن بعض المجامع اللغوية من مصطلحات، كمجموعة المصطلحات اللغوية التي بدأ مجمع القاهرة يضعها عام 1982، ضمن مجموعة المصطلحات العلمية والفنية.
ويعيب المعجمات التي ذكرناها آنفا امران: الاول انها تذكر المصطلح الاجنبي ومقابله العربي دون ان تعرض للمصطلح بالشرح وتحديد المفهوم. الثاني انها قاصرة غير مستوعبة، وانها تمثل اجتهاد اصحابها، ولا تخضع لمنهجية مضبوطة ولا يجري عليها التجديد من حين لآخر، ولا يسلم من مأخذ الجمود هذا، ما يصدر عن المجامع، كمجمع القاهرة، من مصطلحات لغوية، فهي لا تزود بالجديد اولا فأولاً.
ولعل ابرز ما يتسم به واقع المصطلح في علم اللغة الحديث من قصور يمكن اجماله في امر واحد، هو: تعدد ما يوضع من مصطلح لغوي لمسمى واحد، مع ملاحظة عدم دقة بعض هذه المصطلحات. فعلى سبيل المثال مصطلح (الصوت المركب) الذي وضع مقابله اربع تسميات هي (شديد) و(مزجي) و(شديد رخو) و(مركب)، ولعل مصطلح (مركب) هو ادقها، ومصطلح (المماثلة) الذي عبر عنه مرة بلفظ (ادغام) ومرة بلفظ (تماثل) والصحيح مقابلته بلفظ (مماثلة). ومصطلح (فونيم) الذي اطلق عليه (صوتيم) و(صوت) و(فونيمية) و(صويتة).
وقد رجح احمد مختار عمر الابقاء على التسمية الاجنبية (الفونيم)، لأنه مصطلح عالمي، اما اطلاق (صوت) على (فونيم) فعيبه الالتباس بمصطلح اخر هو (فون) ومصطلح (مورفيم) الذي اضطربت تسميته وتعددت، فأطلق عليه (صيغم) و(وحدة صرفية) و(مورفيمة) و(صرفية). والصوت الذي تشترك في نطقه الشفتان معا اطلق عليه حينا (شفتاني) و(من بين الشفتين) و(شفويّ ثنائيّ) و(شفوي مزدوج) و(شفويّ).
والمصطلح الاول ادق، ولاسيما اذا علمنا ان مجمع القاهرة اجاز النسب الى المثنى والجمع. و(لكسيم) فقد اطلق عليها (وحدة معجمية) و(مفردة) و(مفردة مجردة) و(معجمية)، ولا بأس بأن نأخذ بالتعريب فنستعمل (لكسيم)، وهو ما ذهب اليه احمد مختار عمر.
وثمة مصطلح (سينكروني)، فقد اضطربت تسميته كذلك، فأطلقت عليه المقابلات العربية: (متزامن) و(تزامني) و (وصفي) و(متعاصر) و(متواقت) و (آني) و(ثابت) و (مستقر) و(افقي).
ومصطلح (دايكروني) وهو ضد (سينكروني) اختلفت تسميته ايضاً، فسمي (تطوري) و(تعاقبي) و(متعاقب) و(تاريخي) و (زماني) ولغرابة اللفظين المعربين، يرجح استعمال (التزامني) مقابلا للاول، و(التعاقبي) مقابلا للاخر.
وقد وضع المشتغلون بالمصطلح اللغوي في علم اللغة الحديث عدداً من الاقتراحات، لضبط هذا المصطلح واخضاعه لمنهجية تنفي عنه التعدد او الاضطراب، الذي يرجع الى الاجتهاد الشخصي.
ولعل اهم هذه الاقتراحات:
1- توحد جهة الوضع بدلا من ان تكون ممثلة مرة في الهيئات، ومرة في المجامع، مع عدم التنسيق بينها، على الرغم من وجود (مكتب تنسيق التعريب بالرباط).
2- عدم اللجوء الى احياء الالفاظ القديمة واطلاقها على متصور مستحدث، وعلى هذا ليس المجمع العلمي العراقي على صواب حين اختار (الجابية) ليطلقها على (الخزان) و(الارقال) ليطلقها على (السرعة) و(الجسوة) ليطلقها على (الصلابة) و(الوسق) ليعبر به عن (الحمولة).
3- اللجوء الى الترجمة بدلا من التعريب، كما وضع (المهجر) مقابل (المكرسكوب) و(الهاتف) بدلا من التلفون و(المذياع) بدلاً من (الراديو) و(المرأب) مقابلا لـ(كراج) ونحو ذلك.
4- عدم تشجيع النزعة الى التعريب، اذا كانت الترجمة ممكنة، فالمعروف ان بعض اللغويين المعاصرين يرفضون الانتقال من لغة الى لغة باستخدام المصطلح الداخلي فقط، لان تعريب الثقافة يقتضي الاخذ بما اسموه المصطلح الخارجي.
5- ترك حرية وضع المصطلحات للافراد، كل بحسب اجتهاده.
6- عدم الخلط بين المصطلح والشرح او التفسير، كاطلاق بعضهم (الوحدة الصوتية) على (الفونيم) و(الوحدة الصرفية) على (المورفيم) وأطلق بعضهم على (ايتي مولوجي): (علم تأصيل الكلمات) او (علم تاريخ الكلمات)، وافضل من هذا اما تعريب الكلمة او واستخدام مصطلح (التأثيل) وقد اختاره المسدي.
7- عدم النظر الى اصل استعمال المصطلح او تاريخه عند بعض الغربيين، بل يجب فهمه على الوجه الذي استقر عليه حديثاً، فقد وضع بعض اللغويين مثلا مقابلاً لـ(فونولوجي) مصطلح (علم الاصوات التاريخي) نظرا لان الاميركيين والانجليز استعملوا هذا المصطلح عشرات السنين بمعنى (تاريخ الاصوات) في حين ان لغويين عربا اخرين سموه تسميات اخرى على طريقتهم في الاضطراب عند صوغ المصطلح، اذ سموه (علم الاصوات التنظيمي) و (علم وظائف الاصوات) و (علم التشكيل الصوتي).
8- التدقيق في معنى المصطلح قبل وضع مقابل عربي له، فالغربيون يفرقون بين نوعين من تدخل الانف في انتاج بعض الاصوات، احدهما تدخل كلي حين يسد مجرى الفم كما في حالة (ن) و(م)، والاخر تدخل جزئي حين يستمر الصوت بالخروج من الفم والانف كما في حال بعض العلل. ولذا وضع العرب المدققون للنوع الاول مصطلح (انفية)، ووضعوا للثاني مصطلح (التأنيف). وفرق الغربيون بين نوعين من تدخل (الغار) في انتاج بعض الاصوات، الاول تدخل كلي، اي ينطق الصوت من (الغار) وحده، كما في (ج) و (ش) والثاني تدخل الغار في نطق الصوت كما في نطق (ينشر) و (ينجو) فسموا الاول (غارياً) والثاني (مغورا).
ولكثرة ما تواجه العربية من مصطلحات لغوية حديثة ظهر قصورها في متابعة الجديد وملاحقته، فرأى بعض المشتغلين بالمصطلح اتباع بعض الاجراءات العلمية منها:
1- اجازة النحت كقولهم مقابل (ألوفون) اي (بديل الصوت) (بدَ صوت) و(بد) مختصر (بديل).
2- التعريب الجزئي كقولهم (ميتا لنكوج): (ميتا لغة) ومقابل (سايكولنكوستك): (سايكو لسانيات).
3- التعريب الكامل كقولهم مقابل (اكوستك): اكوستيات. واقترحوا بعض الاجراءات الادارية منها:
1- انشاء مركز للمصطلحات اللغوية مزود بأحدث الاجهزة والالات التي تساعد على المسح والتخزين والتصنيف والاستدعاء، على ان يلحق به فريق عمل، يجيد كل عضو منه لغة اجنبية الى جانب العربية. وما اظن المجامع اصبحت بديلاً صالحاً لهذا المركز لما يعوزها من وسائل وكفايات وقدرة على ملاحقة الجديد، وقد كان بطء المجامع سبب ما نعاني من نقص حاد في مجال المصطلح اللغوي، وما نعاني من فوضى سببها فتح الباب في المجامع امام الاجتهادات الشخصية.
2- دعوة جميع اللغويين في الاقطار العربية الى تزويد المركز بما يصادفهم من جديد من المصطلح، وما يقترحون بشأن مقابله وايجاد جسور متصلة بين المركز وهؤلاء اللغويين.
وللمزيد من الاطلاع على موضوع هذا المقال يرجع الى (المنهجية العامة لترجمة المصطلحات وتوحيدها) لمحمد رشاد الحمزاوي و(مشكلات وضع المصطلحات اللغوية) للحمزاوي ايضاً و(المصطلح اللسانيّ) لعبد القادر الفاسي الفهري، و(محاضرات في علم اللغة الحديث) لاحمد مختار عمر.
أقرا للكاتب .... أضغط على الموضوع
0 التعليقات :
إرسال تعليق